في بعض اللحظات، يصبح الصمت أبلغ من كل الكلمات. ذلك الصمت الذي يسبق اتخاذ القرار، أو يتبع خسارة كبيرة، أو يرافق انتظارًا طويلًا. في داخله ضجيج خفي، صدى لأفكارنا التي لا نقولها، وللذكريات التي لا نريد لها أن تعود، لكنه أيضًا مساحة للنضج، للتأمل، ولإعادة ترتيب الفوضى التي أحدثها العالم فينا.
حين نسير في شارعٍ خالٍ، أو نجلس في غرفة بلا أصوات، يبدأ العقل بالحديث، ولكن بطريقة مختلفة، أعمق وأصدق. نكتشف أننا لا نخاف من الوحدة، بل من مواجهة أنفسنا فيها. فالصمت مرآة، ومن يجرؤ على النظر فيها يرى حقيقته بلا زينة ولا أقنعة.
ولعل أجمل ما في الصمت أنه يُتيح للقلوب أن تتحدث بلغة لا تُترجم، وللأرواح أن تتلامس دون ضجيج. فالكلمات تُخطئ أحيانًا، أما السكون فدقّته لا تخطئ.
في زمنٍ امتلأ بالضوضاء، يبقى الصمت فنًّا نادرًا، ومن يتقنه لا يحتاج أن يُثبت شيئًا لأحد. لأنه يعلم أن أقوى الأصوات… هي التي لا تُقال.